کد مطلب:280438 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:210

التحذیر من أمراء السوء
حذرت الدعوة الخاتمة من المیل إلی الذین ظلموا، لأن علی أعتابهم یأتی ضعف العقیدة وفقدان القدوة، وبینت أن قیام الذین ظلموا بتوجیه الحیاة العقلیة والدینیة للأمة. ینتج عنه شیوع المشكلات الزائفة التی تشغل الرأی العام، وتجعله داخل دائرة الصفر حیث الجمود والتخلف، وعلی أرضیة الجمود تفتح الأبواب لسنن الأولین، ومعها یختل منهج البحث ومنهج التفكیر ومنهج الاستدلال، وبهذا یتم التعتیم علی نور الفطرة وتغیب الحقیقة تحت أعلام الترقیع والتلجیم التی تلبست بالدین، قال تعالی: (ولا تركنوا إلی الذین ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولیاء ثم لا تنصرون) [1] قال المفسرون: نهی الله تعالی النبی (ص) وأمته عن الركون إلی من اتسم بسمة الظلم. بأن یمیلوا إلیهم ویعتمدون علی ظلمهم فی أمر دینهم أو حیاتهم الدینیة، لأن الاقتراب فی أمر الدین أو الحیاة الدینیة من الذین ظلموا، یخرج الدین أو الحیاة الدینیة عن الاستقلال فی التأثیر، ویغیرهما عن الوجهة الخالصة، ولازم ذلك السلوك إلی الحق من طریق الباطل، أو إحیاء حق بإحیاء باطل، أو إماتة الحق لإحیائه.

والنبی (ص) أخبر بالغیب عن ربه. أن الأمة ستركن إلی هؤلاء، وأمر بأن تأخذ الأمة بالأسباب لأن الله تعالی ینظر إلی عباده كیف یعملون، فعن ثوبان قال. قال رسول الله (ص) إنما أخاف علی أمتی الأئمة المضلین، [2] وعن أبی هریرة قال. قال رسول الله (ص) یهلك أمتی هذا الحی من قریش قالوا: فما تأمرنا یا رسول الله؟ قال لو أن



[ صفحه 288]



الناس اعتزلوهم، [3] وعن خباب بن الإرث قال: إنا لقعود علی باب رسول الله (ص) ننتظره أن یخرج لصلاة الظهر، إذ خرج علینا فقال:

إسمعوا. فقلنا: سمعنا، ثم قال: إسمعوا، فقلنا: سمعنا، فقال: إنه سیكون علیكم أمراء فلا تعینوهم علی ظلمهم، فمن صدقهم بكذبهم فلن یرد علی الحوض، [4] وعن حذیفة قال. قال رسول الله (ص): سیكون علیكم أمراء یظلمون ویكذبون. فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم علی ظلمهم. فلیس منی ولست منه ولا یرد علی الحوض، ومن لم یصدقهم بكذبهم ولم یعینهم فهو منی وأنا منه وسیرد علی الحوض، [5] ومن هذه الأحادیث یستنتج أن الأمراء ضد خط أهل البیت، بدلیل أنهم لن یردوا علی الحوض، وفی الحدیث أن أهل البیت مع القرآن ولن ینفصلا حتی یردا علی الحوض، ویستنتج أیضا أن أهل البیت لن یكونوا فی صدر القافلة وأن هناك أحداث ستؤدی إلی إبعادهم عن مركز الصدارة، بدلیل وجود الأئمة المضلین وأمراء الظلم، فلو كان أهل البیت فی الصدارة، ما اتخذوا هؤلاء بطانة لهم، لأن أهل البیت مع القرآن والقرآن نهی عن ذلك.

وبالجملة: أخبر النبی (ص) بوجود تیار فی بطن الغیب سیعمل ضد سیاسة أهل البیت، وإن هذا التیار لن یرد علی الحوض، لقوله (ص) لا یبغضنا أحد ولا یحسدنا أحد إلا ذید یوم القیامة عن الحوض، [6] وقوله لعلی بن أبی طالب یا علی. معك یوم القیامة عصا من عصی الجنة



[ صفحه 289]



تذود بها المنافقین عن حوضی، [7] وأمر النبی (ص) بمواجهة هذا التیار باعتزالهم وعدم إعانتهم وعدم تصدیقهم، وروی عن ابن مسعود. قال.

قال (ص) إن رحی الإسلام دائرة، وإن الكتاب والسلطان سیفترقان، فدوروا مع الكتاب حیث دار، وستكون علیكم أئمة إن أطعتموهم أضلوكم وإن عصیتموهم قتلوكم، قالوا: فكیف نصنع یا رسول الله؟

قال: كونوا كأصحاب عیسی. نصبوا علی الخشب ونشروا بالمناشیر، موت فی طاعة. خیر من حیاة فی معصیة [8] وروی عن معاذ قال: قلت یا رسول الله أرأیت إن كان علینا أمراء لا یستنون بسنتك. ولا یأخذون بأمرك. فما تأمرنی فی أمرهم؟ فقال: لا طاعة لمن لم یطع الله عز وجل. [9] .

وروی عن ابن مسعود قال. قال رسول الله (ص) إن أول ما دخل النقص علی بنی إسرائیل. كان الرجل یلقی الرجل فیقول: یا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا یحل لك، ثم یلقاه من الغد. فلا یمنعه ذلك أن یكون أكیله وشریبه وقعیده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ثم تلی قوله تعالی: (لعن الذین كفروا من بنی إسرائیل علی لسان داوود وعیسی بن مریم) إلی قوله: (فاسقون) ثم قال رسول الله (ص) كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن علی یدی الظالم ولتأطرنه علی الحق أطرا (أی لتردنه إلی الحق)، ولتقصرنه علی الحق قصرا، أو لیضربن الله بقلوب بعضكم علی بعض ثم یلعنكم كما لعنهم، [10] وقال (ص) مثل القائم علی حدود الله والمدهن فیها.



[ صفحه 290]



كمثل قوم استهموا علی سفینة فی البحر، فأصاب بعضهم أعلاها.

وأصاب بعضهم أسفلها. فكان الذین فی أسفلها یصعدون فیستقون الماء فیصبون علی الذین فی أعلاها، فقال الذین فی أعلاها لا ندعكم تصعدون فتؤذوننا، فقال الذین فی أسفلها فإننا ننقبها من أسفلها فنستقی، فإن أخذوا علی أیدیهم فمنعوهم نجوا جمیعا، وإن تركوهم غرقوا جمیعا [11] كانت هذه بعض تعالیم النبوة لمواجهة الظلم والجور فی وقت ما علی امتداد المسیرة، أما بعد استفحال الظلم والجور. نتیجة للثقافات التی سهر علیها المنافقون وأهل الكثاب لإیجاد غثاء مهمته النباح تأییدا للجلادین، والتصفیق للزبانیة ومصاصی الدماء، یقول النبی (ص) ما ترون إذا أخرتم إلی زمان. حثالة من الناس. قد مرجت عهودهم ونذورهم فاشتبكوا. وكانوا هكذا، (وشبك بین أصابعه) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: تأخذون ما تعرفون وتدعون ما تنكرون. ویقبل أحدكم علی خاصة نفسه. ویذر أمر العامة، [12] وفی روایة: إتق الله عز وجل، وخذ ما تعرف ودع ما تنكر، وعلیك بخاصتك، وإیاك وعوامهم. [13] .

وبالجملة: بین النبی (ص) أن صنفا من الناس سیحرص علی الإمارة من بعده، قال (ص) إنكم ستحرصون علی الإمارة. وستصیر حسرة وندامة یوم القیامة. نعمت المرضعة وبئست الفاطمة [14] نعم المرضعة:



[ صفحه 291]



لما فیها من حصول الجاه والمال ونفاد الكلمة وتحصیل اللذات الحسیة. وبئست الفاطمة: أی بعد الموت لأن صاحبها یصیر إلی المحاسبة. قال (ص) لیتمن أقوام ولوا هذا الأمر. أنهم خروا من الثریا وأنهم لم یولوا شیئا، [15] ولیس معنی هذا أن الإسلام لا یعترف بالقیادة والإمارة. فالإسلام یقوم علی النظام وفیه لكل شئ ذروة، والحدیث یحذر غیر أصحاب الحق من أن ینازعوا الأمر أهله، لأنه فی المنازعة ضیاع للأمانة. قال رسول الله (ص) إذا ضیعت الأمانة فانتظر الساعة قالوا: كیف أضاعتها یا رسول الله؟ قال: إذا أسند الأمر إلی غیر أهله.

فانتظروا الساعة. [16] ویفسر هذا ما روی عن داوود بن أبی صالح. قال؟

أقبل مروان بن الحكم یوما فوجد رجلا واضعا وجهه علی قبر النبی (ص)، فقال: أتدری ما تصنع؟ وأقبل علیه وإذا هو أبو أیوب الأنصاری. فقال:

نعم جئت رسول الله (ص) ولم آت الحجر، سمعت رسول الله (ص) یقول: لا تبكوا علی الدین إذا ولیه أهله. ولكن ابكوا علیه إذا ولیه غیر أهله. [17] .

وبین النبی (ص) للأمة أسباب الهدی علی امتداد المسیرة. تحت مظلة الامتحان والابتلاء، بین الأسباب فی عصر به الصحابة، وبینها فی عصر به التابعین، وبینها فی عصور جاءت بعد ذلك. والله تعالی ینظر إلی عباده كیف یعملون.


[1] سورة هود آية 113.

[2] رواه أحمد ومسلم والترمذي (الفتح الرباني 31 / 27).

[3] رواه البخاري (الصحيح 280 / 2) ومسلم (الصحيح 41 / 18) وأحمد (الفتح الرباني 39 / 23).

[4] رواه أحمد (الفتح الرباني 30 / 23) وابن حبان في صحيحه وابن أبي عاصم وقال الألباني رجاله ثقات (كتاب السنة 352 / 2).

[5] رواه أحمد والبزار وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح (الزوائد 248 / 5) وابن أبي عاصم وقال الألباني رجاله ثقات (كتاب السنة 353 / 2).

[6] رواه الطبراني (كنز العمال 104 / 12).

[7] رواه الطبراني وقال الهيثمي رجاله ثقات (135 / 9).

[8] رواه الطبراني عن ابن مسعود (كنز العمال 216 / 1) ورواه عن معاذ (كنز العمال 211 / 1).

[9] رواه عبد الله بن أحمد وإسناده جيد (الفتح الرباني 44 / 23).

[10] رواه أبو داوود حديث 4337، وقال الهيثمي رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح (الزوائد 269 / 7).

[11] رواه أحمد والبخاري (الفتح الرباني 177 / 19) والترمذي وصححه (الجامع 470 / 4).

[12] رواه الطبراني وفال الهيثمي رجاله ثقات (الزوائد 279 / 7).

[13] رواه أحمد وإسناده صحيح (الفتح الرباني 12 / 23).

[14] رواه أحمد (الفتح الرباني 22 / 23) والبخاري (الصحيح 235 / 4).

[15] رواه أحمد وقال الهيثمي رجاله ثقات (الفتح الرباني 23 / 23).

[16] رواه البخاري (الصحيح 128 / 4).

[17] رواه أحمد ورجاله ثقات (الفتح الرباني 132 / 23) (الزوائد 245 / 5) والحاكم وصححه وأقره الذهبي (المستدرك 515 / 4).